الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مَا وَرَدَ فِي الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ وَالرُّسُلِ: (13) بِعْثَةُ الرُّسُلِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي آدَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} (35) إِلَخْ. وَيَدُلُّ عَلَى إِرْسَالِهِمْ إِلَى الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} (4) إِلَى آخَرِ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ. فَالْمُرَادُ بِالْقُرَى الْكَثِيرَةِ أُمَمُ الرُّسُلُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.(14) سُؤَالُهُ الرُّسُلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنِ التَّبْلِيغِ وَسُؤَالُ الْأُمَمِ عَنِ الْإِجَابَةِ وَهُوَ نَصُّ الْآيَةِ السَّادِسَةِ.(15) جَزَاءُ بَنِي آدَمَ عَلَى اتِّبَاعِ الرُّسُلِ وَطَاعَتِهِمْ، وَعَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُمْ وَاسْتِكْبَارِهِمْ عَنِ اتِّبَاعِهِمْ وَهُوَ فِي الْآيَتَيْنِ 35 و36.(16) وَظِيفَةُ الرُّسُلِ تَبْلِيغُ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ: بِشَارَةً وَإِنْذَارًا، قَوْلًا وَعَمَلًا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْآيَاتِ: 2 و62 و93 و188.(17) أَوَّلُ مَا دَعَا إِلَيْهِ الرُّسُلُ تَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ بِالْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَنَفْيِ عِبَادَةِ إِلَهٍ غَيْرِهِ، كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْآيَاتِ 59 و65 و70 و73 و85.(18) مَجِيءُ الرُّسُلِ بِالْبَيِّنَاتِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَهِيَ تَشْمَلُ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةَ وَالْحُجَجَ الْعَقْلِيَّةَ كَمَا تَرَى فِي الْآيَاتِ 13 و85 و103 و105 و107 و108.(19) الْآيَاتُ الْكَوْنِيَّةُ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ تَعَالَى بِهَا رُسُلَهُ هِيَ حُجَّةٌ لَهُمْ عَلَى الْأُمَمِ، وَهِيَ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْإِيمَانِ اقْتِضَاءً عَقْلِيًّا، وَلَا مُلْجِئَةٍ إِلَيْهِ طَبْعًا، وَلَوْ كَانَتْ مُقْتَضِيَةً لَهُ قَطْعًا أَوْ مُلْجِئَةً إِلَيْهِ طَبْعًا لَمَا تَخَلَّفَ عَنْهَا، وَلَكَانَ خِلَافَ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَالْمُلْجَأُ لَا يَسْتَحِقُّ جَزَاءً. وَنَحْنُ نَرَى فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ السَّحَرَةَ قَدْ آمَنُوا يَقِينًا عَلَى عِلْمٍ، وَأَنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنْ قَوْمِهِ ظَلُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَنَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَتْهُمُ الْآيَةُ الْكُبْرَى قَالُوا إِنَّهَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (27: 14) أَيْ: عَانَدُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنَادًا بِإِظْهَارِ الْكُفْرِ بِهَا فِي الظَّاهِرِ مَعَ اسْتِيقَانِهَا فِي الْبَاطِنِ، وَأَنَّ سَبَبَ هَذَا الْجُحُودِ هُوَ الظُّلْمُ وَالْعُلُوُّ وَالْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ، وَهَذَا وَصْفُ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ أَيْ كِبَارِ رِجَالِ دَوْلَتِهِ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ سَائِرَ الشَّعْبِ كَانَ مُسْتَذَلًّا. وَهُوَ مُقَلِّدٌ لِلرُّؤَسَاءِ لِجَهْلِهِ، وَقَدْ صَدَّقَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ مُوسَى سَاحِرٌ، وَإِنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا مُتَوَاطِئِينَ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِهِ؛ لِأَجْلِ إِخْرَاجِ فِرْعَوْنَ وَرِجَالِ دَوْلَتِهِ مِنْ مِصْرَ، وَالتَّمَتُّعِ بِكِبْرِيَاءِ الْمُلْكِ بَدَلًا مِنْهُمْ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخْرَى، وَلَوْ فَهِمَ جُمْهُورُ الشَّعْبِ مِنَ الْآيَاتِ مَا فَهِمُوا لَآمَنَ كَمَا آمَنُوا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ مِنْ عُتُوِّ الْعُلُوِّ وَالْكِبْرِيَاءِ مَا يَصْرِفُهُ عَنِ الْإِيمَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا أَكْرَمَ مَنْزِلَةً فِي الدَّوْلَةِ مِنْ سَائِرِ الشَّعْبِ، وَلَكِنَّ كَرَامَتَهُمْ لَمْ تَكُنْ بَالِغَةً دَرَجَةَ الْعَظَمَةِ وَالْعُلُوِّ الْمَانِعَةِ لِصَاحِبِهَا مِنْ تَرْكِهَا لِأَجْلِ الْحَقِّ، وَقَدِ امْتَازَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جَعَلَ اللهُ آيَةَ نُبُوَّتِهِ الْكُبْرَى عِلْمِيَّةً لَا صُعُوبَةَ فِي فَهْمِ دَلَالَتِهَا عَلَى عَامِّيٍّ وَلَا خَاصِّيٍّ، عَلَى أَنَّهُ أَيَّدَهُ فِي زَمَنِهِ بِعِدَّةِ آيَاتٍ كَوْنِيَّةٍ.(20) نَصِيحَةُ الرُّسُلِ لِلْأُمَمِ وَأَمْرُهُمْ بِالْحَقِّ وَالْفَضِيلَةِ وَنَهْيُهُمْ عَنْ ضِدِّهِمَا كَمَا فِي الْآيَاتِ 62 و63 و68 و74 و79 و80 و85 و86 و93.(21) شُبْهَةُ الْأُمَمِ عَلَى الرُّسُلِ الَّتِي أَثَارَتْ تَعَجُّبَهُمْ وَاسْتِنْكَارَهُمْ هِيَ كَوْنُ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ رَجُلًا مِثْلَهُمْ كَمَا فِي الْآيَةِ 63 و69.(22) اتِّهَامُ الْكُفَّارِ رُسُلَ اللهِ بِالسِّحْرِ كَمَا فَعَلَ فِرْعَوْنُ وَالْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ بِاتِّهَامِ مُوسَى فِي الْآيَةِ 109 وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْآيَاتِ فِي قِصَّةِ سَحَرَةِ الْمِصْرِيِّينَ مَعَ مُوسَى. وَهِيَ شُبْهَةُ جَمِيعِ أَقْوَامِ الرُّسُلِ عَلَى آيَاتِهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهَا أَمْرٌ غَرِيبٌ لَا يَعْرِفُونَ سَبَبَهُ، وَمِنْ خَطَأِ الْمُتَكَلِّمِينَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْأَشْخَاصِ، وَقَدْ عَقَدْنَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ فَصْلًا فِي حَقِيقَةِ السِّحْرِ وَأَنْوَاعِهِ لَا يَجِدُ الْقَارِئُ مِثْلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ تَفَاسِيرِنَا وَكُتُبِنَا الْكَلَامِيَّةِ وَهُوَ فِي ص41- 52 ج 9 ط الْهَيْئَةِ.(23) عِقَابُ الْأُمَمِ عَلَى تَكْذِيبِ الرُّسُلِ وَهُوَ فِي الْآيَاتِ 64 و72 و78 و84 و91 و92 و133 و136 و137.(24) قِصَصُ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ. وَهِيَ مِنْ آيَةِ 59 إِلَى 93، وَقِصَّةِ مُوسَى مَعَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَسَحَرَتِهِ مِنْ آيَةِ 103 إِلَى 137، وَقِصَّتِهِ مَعَ قَوْمِهِ وَحْدَهُمْ مِنْ 138- 171 وَفِيهَا مِنَ الْعِبَرِ وَالْفَوَائِدِ مَا ذُكِرَ بَعْضُهُ فِي أَبْوَابٍ مِنْ هَذِهِ الْخُلَاصَةِ، وَبَقِيَ مَا سَبَّبَ إِنْزَالَهَا وَإِنْزَالَ غَيْرِهَا مِنَ الْمَقَاصِدِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، كَكَوْنِهَا مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ الْمَاضِيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ وَحْيًا مِنَ اللهِ تَعَالَى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} (11: 49) وَكَوْنِهَا تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُلَاقِي مِنْ إِعْرَاضِ الْمُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمْ، وَتَثْبِيتًا لِقَلْبِهِ فِي النُّهُوضِ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (11: 120)- وَكَوْنِهَا مَوْعِظَةً وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي تَتِمَّةِ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَوْعِظَةً وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} وَكَوْنِهَا عِبْرَةً عَامَّةً لِلْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلِاعْتِبَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (12: 111) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُفَصِّلُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ. فَقَدْ طَالَ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ جِدًّا..الْبَابُ الثَّالِثُ عَالَمُ الْآخِرَةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ: وَفِيهِ 12 أَصْلًا:(الْأَصْلُ الْأَوَّلُ) الْبَعْثُ وَالْإِعَادَةُ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ 25: {وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} وَفِي 29: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَدْءِ أَوْ أَهْوَنُ عَلَى الْمُبْدِئِ بَدَاهَةً، فَكَيْفَ وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بَدْءًا وَإِعَادَةً عَلَى سَوَاءٍ- وَفِي الْآيَةِ 57 تَشْبِيهُ إِخْرَاجِ الْمَوْتَى بِإِخْرَاجِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ بَعْدَ إِنْزَالِ الْمَطَرِ عَلَيْهَا. وَهَذَا التَّشْبِيهُ يَتَضَمَّنُ الْبُرْهَانَ الْوَاضِحَ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بَعْدَ فَنَاءِ أَجْسَادِهِمْ، وَقَدْ أَطَلْنَا فِي تَفْسِيرِهَا الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْجِهَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ (فَتُرَاجَعُ فِي 418- 427 ج 8 ط الْهَيْئَةِ).(الْأَصْلُ الثَّانِي) وَزْنُ الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَرْتِيبُ الْجَزَاءِ عَلَى ثِقَلِ الْمَوَازِينِ وَخِفَّتِهَا وَهُوَ فِي الْآيَتَيْنِ الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ.(الْأَصْلُ الثَّالِثُ) سُؤَالُ الرُّسُلِ فِي الْآخِرَةِ عَنِ التَّبْلِيغِ وَأَثَرِهِ، وَسُؤَالُ الْأُمَمِ عَنْ إِجَابَةِ الرُّسُلِ وَهُوَ فِي الْآيَةِ السَّادِسَةِ.(الْأَصْلُ الرَّابِعُ) كَوْنُ الْجَزَاءِ بِالْعَمَلِ، وَجَزَاءُ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَالْمُجْرِمِينَ وَالظَّالِمِينَ، وَدُخُولُ الْأُمَمِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِي النَّارِ، وَلَعْنُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَشَكْوَى بَعْضِهِمْ مِنْ إِضْلَالِ بَعْضٍ، وَالدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ بِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ، وَتَحَاوُرُهُمْ فِي ذَلِكَ، رَاجِعِ الْآيَاتِ 36- 41 و147 و179.(الْأَصْلُ الْخَامِسُ) جَزَاءُ الْمُتَّقِينَ الْمُصْلِحِينَ فِي الْآيَةِ 35، وَجَزَاءُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وِإِيرَاثُهُمُ الْجَنَّةَ وَحَالُهُمْ وَمَقَالُهُمْ فِيهَا، وَذَلِكَ فِي الْآيَتَيْنِ 42 و43، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الزِّينَةِ: {وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} مِنَ الْآيَةِ 32: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.(الْأَصْلُ السَّادِسُ) إِقَامَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْحُجَّةَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} (44) إِلَخْ. وَفِي تَفْسِيرِهَا بَيَانٌ لِمَا فِي صِنَاعَاتِ هَذَا الْعَصْرِ مِنْ إِزَالَةِ الِاسْتِبْعَادِ وَالِاسْتِغْرَابِ مِنْ تَحَاوُرِ النَّاسِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَاتِ بَيْنَهُمْ رَاجِعْ 377 وَمَا بَعْدَهَا ج 8 ط الْهَيْئَةِ.(الْأَصْلُ السَّابِعُ) الْحِجَابُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَهُوَ الْأَعْرَافُ وَأَهْلُهُ وَتَسْلِيمُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَخِطَابُهُمْ لِأُنَاسٍ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ فِي النَّارِ بِمَا يُذَكِّرُهُمْ بِضَلَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَغُرُورِهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ إِلَخْ. وَهُوَ فِي الْآيَاتِ 46- 49.(الْأَصْلُ الثَّامِنُ) نِدَاءُ أَصْحَابِ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} وَجَوَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَهُمْ فِي الْآيَةِ (50).(الْأَصْلُ التَّاسِعُ) اعْتِرَافُ أَهْلِ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ بِصِدْقِ الرُّسُلِ، وَتَمَنِّيهِمُ الشُّفَعَاءَ لِيَشْفَعُوا لَهُمْ، أَوِ الرَّدَّ إِلَى الدُّنْيَا لِيَعْمَلُوا غَيْرَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَحُكْمُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ كَانُوا يَدْعُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا سَيَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ. وَهُوَ فِي الْآيَةِ (53).(الْأَصْلُ الْعَاشِرُ) الدُّعَاءُ بِخَيْرِ الْآخِرَةِ مَعَ الدُّنْيَا، وَهُوَ مَا وَرَدَ فِي دُعَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ (156) فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ تَشْرِيعًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَغَايَةُ دِينِ اللهِ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ كَمَا تَرَى بَيَانَهُ فِي السُّنَّةِ 4 مِنَ الْبَابِ السَّادِسِ.(الْأَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ) صِفَةُ أَهْلِ جَهَنَّمَ: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا (179) إِلَخْ. وَفِي تَفْسِيرِنَا لَهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ مَا لَا تَجِدُ مِثْلَهُ فِي تَفْسِيرٍ، وَلَا فِي كِتَابٍ آخَرَ- فَرَاجِعْهُ بِمَوْضِعِهِ فِي هَذَا الْجُزْءِ.(الْأَصْلُ الثَّانِي عَشَرَ) مَسْأَلَةُ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَكَوْنِهَا تَأْتِي بَغْتَةً وَهِيَ فِي الْآيَةِ 187 وَفِي تَفْسِيرِهَا مَبَاحِثُ مَسَائِلَ مُبْتَكَرَةٍ فِي أَشْرَاطِهَا..الْبَابُ الرَّابِعُ: أُصُولُ التَّشْرِيعِ: وَفِيهِ 9 أُصُولٍ:(الْأَصْلُ الْأَوَّلُ) بَيَانُ أَنَّ شَارِعَ الدِّينِ هُوَ اللهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ السُّورَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْخُلَاصَةِ، وَهُنَاكَ قَدْ ذُكِرَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ حَقُّ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيُذْكَرُ هُنَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ مِنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ التَّشْرِيعِيَّةِ. وَالْمُرَادُ بِشَرْعِ الدِّينِ وَالتَّشْرِيعِ الدِّينِيِّ: مَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وُجُوبًا دِينِيًّا عَلَى أَنَّهُ قُرْبَةٌ يُثَابُ فَاعِلُهُ، وَيُعَاقَبُ تَارِكُهُ فِي الْآخِرَةِ. وَأَمَّا التَّشْرِيعُ الدُّنْيَوِيُّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ فِي مَصَالِحِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ فَقَدْ أَذِنَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لِلرَّسُولِ، وَلِأُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ بِالتَّفْصِيلِ الْوَاسِعِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (4: 59).وَاشْتَرَطَ فِي هَذَا الْإِذْنِ أَنْ يُرَدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، بِالرُّجُوعِ إِلَى الْكِتَابِ، وَإِلَى الرَّسُولِ فِي عَهْدِهِ، وَإِلَى سُنَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ مَعَ بَيَانِ عِلَّتِهِ (رَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي ص146- 180 ج 5 ط الْهَيْئَةِ).(الْأَصْلُ الثَّانِي) تَحْرِيمُ التَّقْلِيدِ فِي الدِّينِ، وَالْأَخْذِ فِيهِ بِآرَاءِ الْبَشَرِ، وَهُوَ نَصُّ النَّهْيِ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ مَا أُنْزِلَ إِلَى النَّاسِ مِنْ رَبِّهِمْ وَهُوَ: {وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (7: 3) وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ. وَمِنَ النُّصُوصِ فِي بُطْلَانِهِ الْإِنْكَارُ عَلَى احْتِجَاجِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ فِي الْآيَةِ 28: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا} الْآيَةَ (رَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي ص 332 وَمَا بَعْدَهَا ج 8 ط الْهَيْئَةِ) وَفِي الْآيَةِ 173.(الْأَصْلُ الثَّالِثُ) تَعْظِيمُ شَأْنِ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ وَالتَّفَكُّرِ؛ لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَمَعْرِفَةُ آيَاتِ اللهِ وَسُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ 33: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} السُّلْطَانُ: الْبُرْهَانُ، فَتَقْيِيدُ تَحْرِيمِ الشِّرْكِ بِانْتِفَائِهِ تَعْظِيمٌ لِشَأْنِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ 169: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وَسَيُذْكَرُ فِي الْأَصْلِ الرَّابِعِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ضَرْبِ الْمَثَلِ لِلْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ مِنْ آيَةِ 176: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ 184: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} وَفِي الْآيَةِ 185: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ} إِلَخْ- وَالْآيَةُ الْجَامِعَةُ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} وَهِيَ شَامِلَةٌ لِلنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ الْمَحْضِ، وَلِكُلِّ مَا كَانَ مَصْدَرُهُ الرُّؤْيَةَ وَالسَّمَاعَ، وَهُمَا أَعَمُّ وَأَكْثَرُ مَصَادِرِ الْعِلْمِ.(الْأَصْلُ الرَّابِعُ) تَعْظِيمُ شَأْنِ الْعِلْمِ الشَّامِلِ لِلْعِلْمِ النَّقْلِيِّ وَهُوَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَمَا بَيَّنَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُنَّةٍ، وَالْعِلْمُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْعِلْمِ هُنَا مُتَعَلِّقُ الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمَعْلُومَاتُ، فَفَارَقَ مَا قَبْلَهُ. وَمِنَ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ 28: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ 32: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وَهِيَ مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْآيَةِ مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَبِالزِّينَةِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ حَرَّمَهُمَا، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ عِلْمِ الِاجْتِمَاعِ وَالْمَصَالِحِ الْبَشَرِيَّةِ كَمَا فَصَّلْنَاهُ فِي تَفْسِيرِهَا، رَاجِعْ ص 338 وَمَا بَعْدَهَا ج 8 ط الْهَيْئَةِ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ آيَةِ 33 الَّتِي بَيَّنَ فِيهَا أَنْوَاعَ الْمُحَرَّمَاتِ الْعَامَّةِ: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} السُّلْطَانُ الْبُرْهَانُ- وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ آيَةِ 131: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وَهُوَ فِي زَعْمِ آلِ فِرْعَوْنَ وَخُرَافَاتِهِمْ أَنَّ مَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالْخَيْرَاتِ فَهُوَ حَقٌّ لَهُمْ، وَأَنَّ مَا يَنَالُهُمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ فَهُوَ بِشُؤْمِ مُوسَى وَقَوْمِهِ وَتَطَيُّرِهِمْ بِهِمْ. وَالْعِلْمُ الْمَنْفِيُّ عَنْهُمْ هُنَا هُوَ الْعِلْمُ بِسُنَنِ اللهِ فِي طِبَاعِ الْبَشَرِ وَالْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ فِي الْعَالَمِ- وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي حِكَايَةِ تَوْبِيخِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِقَوْمِهِ عَلَى مُطَالَبَتِهِمْ إِيَّاهُ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ إِلَهًا كَآلِهَةِ الَّذِينَ رَأَوْهُمْ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ مِنْ آخِرِ الْآيَةِ 138: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْحُكْمَ بِجَهْلِهِمْ فِي الْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا، فَهَذِهِ جَامِعَةٌ لِبَيَانِ فَضْلِ الْعِلْمِ النَّقْلِيِّ وَالْعِلْمِ الْعَقْلِيِّ، وَذَمِّ الْجَهْلِ بِهِمَا مَعًا، فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّلَ تَجْهِيلَهُمْ أَوَّلًا بِعِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ، وَثَانِيًا بِعِلَّةٍ دِينِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ. فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهُنَّ فِي (ص91- 101 ج 9 ط الْهَيْئَةِ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ 169: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} وَهُوَ مِنَ الْعِلْمِ النَّقْلِيِّ، وَلَكِنَّهُ أُيِّدَ بِالْعَقْلِيِّ فِي خَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
|